سفر وترحال

شرح قصيدة سفر وترحال للمتنبي

المحتويات

شرح قصيدة سفر وترحال للمتنبي

المتنبي يُعد الشاعر أبو الطيب المتنبي من مفاخر الشعر العربي، وقد ترك دواوين شعرية كثيرة تزخر

بها مكتبة الشعر العربي، واسمه الكامل أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي،

وكنيته أبو الطيب الكندي المتنبي، يعود في نسبه إلى قبيلة كندة، وقد ارتبط اسمه ارتباطًا شديدًا

باسم سيف الدولة الحمداني، ومع أن الكثير من شعره كان في مدح الملوك والخلفاء، إلا أنه نظم

أشعارًا في الرثاء وفي الفخر وفي الهجاء، وغيرها من الأغراض الشعرية، ولا يمكن إنكار أهمية قصائد

المتنبي ودورها في إلهام كثير من الشعراء حتى في العصر الحديث إلى نظم الشعر الجزل المعبر

والقوي، ومن القصائد التي نظمها المتنبي قصيدة سفر وترحال،

وفي هذا المقال ستُشرح أبياتها وتُدرس الصور الفنية التي تحملها القصيدة.

المعجم والدلالة في قصيدة سفر وترحال إن قصيدة سفر وترحال التي نظمها المتنبي ليعرض

شجاعته وقوته وما يتصف به من مكارم وأخلاق حميدة تكاد لا تخلو من الألفاظ الوعرة والمعقدة

والغريبة، ولعل اختياره لهذه الألفاظ جاء مناسبًا لموضوع القصيدة وهو السفر في البيداء والفيافي وما

فيها من صعوبات ومخاطر تعترص المسافر، وفي ما يأتي توضيح لمعاني بعض المفردات الصعبة

التيوردت في القصيدة:

فلاة: الأرض الواسعة المقفرة

هجير: النهار الحار الشديد صيفًا.

بغام: صوت الإبل.

 رازحة: الناقة إذا سقطت على الأرض من الإعياء.

قرى: إكرام الضيف.

 خِب: خداع.

 ينبو: يفشل.

سنام: كتل شحم محدبة على ظهر البعير.

 شرح قصيدة سفر وترحال للمتنبي نظم المتنبي قصيدة سفر وترحال ليبعد عن نفسه اللوم من قِبل

من يحيطون به بسبب تعريض نفسه للمخاطر والصعاب في سبيل طلب المجد، وفي القصيدة يعرض

صفاته التي تدل على شجاعته وقوته ورباطة جأشه، وبعدها يبدأ بانتقاد آفات اجتماعية أدت إلى

تراجع الأخلاق والمكارم بين الناس، وقد افتتح القصيدة بعبارة يتوجه فيها لخطاب صديقين على نمط

مطلع المعلقات الجاهلية ولعل هدفه أن يذكّر بالسفر في الجاهلية وما فيه من صعوبات ومشاق،

وأبيات القصيدة هي:

مَلومُكُمـا يَجِـلُّ عَـنِ الـمَـلامِ وَوَقـعُ فَعالِـهِ فَـوقَ الـكَـلامِ إن من تلومانه يا

صديقيّ -وهو أنا- أرقى وأعلى من أن يوجه له اللوم والعذل، وذلك لأن ما يقوم به من أفعال عظيمة

يعجز الكلام عن وصفها. ذَرانـي وَالفَـلاةَ بِـلا دَلـيـلٍ وَوَجهـي وَالهَجيـرَ بِـلا لِثـامِ وإن شجاعتي لا حدود لها

وإذا أردتما فاتركاني في الصحراء بدون دليل ومساعد في تحديد وجهتي، واتركاني من دون أي غطاء

يستر وجهي ويحميه من حرارة الشمس في وسط النهار. فَإِنّـي أَستَريـحُ بِــذا وَهَــذا وَأَتعَـبُ بِالإِنـاخَـةِ

وَالمُـقـامِ إن سعادتي وراحتي عندما أكون في سفر وفي مشاق وصعوبات ومخاطر وتعب تحت حرارة

الشمس، وأتعب وأفنى من الراحة والخمول والجلوس في الظلال الوارفة. عُيونُ رَواحِلي إِن حِرتُ

عَينـي وَكُـلُّ بُغـامِ رازِحَـةٍ بُغـامـي إن ناقتي هي دليلي وعيني التي أرى بها طريقي إذا ما أضعت أنا

الطريق، وصوتها هو مرشدي ودليلي. فَقَـد أَرِدُ المِيـاهَ بِغَيـرِ هــادٍ سِوى عَدِّي لَهـا بَـرقَ الغَمـامِ إنني

أصل إلى المياه من دون أن يدلني عليها أحد سوى أن أقوم بعد البرق الذي يصدر من الغيوم،

وهي عادة عند العرب يقومون بعد البرق في السماء ومن خلاله يستدلون على مكان الماء.

يُـذِمُّ لِمُهجَتـي رَبّـي وَسَيفـي إِذا اِحتاجَ الوَحيـدُ إِلـى الذِمـامِ إنني لا أحتاج لصحبة أحد يحميني في

سفري إنما يكفيني ربي ومن بعده سيفي لحمايتي في طريق السفر.

وَلا أُمسي لِأَهـلِ البُخـلِ ضَيفًـا وَلَيسَ قِرىً سِـوى مُـخِّ النِعـامِ لا أرضى بأن أنزل ضيفًا عند البخلاء،

لأنهم غير قادرين على الجود والكرم بأي شيء، وهنا استخدم المتنبي كناية عن البخل وهي

“مخ النعام” فالنعام لا مخ لها وهذا يعني أن البخيل غير قادر على الجود بأي شيء.

فَلَمّـا صـارَ وُدُّ النـاسِ خِـبًّـا جَزَيـتُ عَلـى اِبتِسـامٍ بِاِبتِسـامِ وإن الود والمحبة بين الناس صار كله رياء

وخداعًا وبعيدًا عن الصدق، ولذلك صارت تبسمي للناس هو رد على تبسمهم الزائف فقط. وَصِرتُ

أَشُـكُّ فيمَـن أَصطَفيـهِ لِعِلمـي أَنَّـهُ بَـعـضُ الأَنــامِ حتى إنني لم أعد قادرًا على الوثوق بأي صديق

لأنني أعلم أنه من البشر، وكل نفس بشرية قد تخون الود والعهد لسبب ما. يُحِبُّ العاقِلونَ عَلـى

التَصافـي وَحُبُّ الجاهِليـنَ عَلـى الوَسـامِ إن الأشخاص العاقلين المتزنين تقوم محبتهم وودهم على

الصدق والصراحة، بينما الجاهلون ودهم مبني على المظاهر الخادعة والبراقة. وَآنَفُ مِن أَخـي لِأَبـي

وَأُمّـي إِذا ما لَـم أَجِـدهُ مِـنَ الكِـرامِ وإنني لأرفض أخي الذي يتصل دمي بدمه إذا كان من البخلاء

الأشحاء. أَرى الأَجـدادَ تَغلِبُهـا كثيرًا عَلـى الأَولادِ أَخـلاقُ اللِـئـامِ إن اللؤم وسوء المعاملة التي صار إليها

الناس في الحياة غلبت وتفوقت على كل الكرم والخلق الحسن الذي كان يتصف به أجدادهم وآباؤهم.

وَلَستُ بِقانِـعٍ مِـن كُـلِّ فَضـلٍ بِـأَن أُعـزى إِلـى جَـدٍّ هُمـامِ ولا يكفيني أن يكون نسبي وأجدادي فيهم

الشرف والعزة، بل يجب أن أتحلى أنا بهذه المكارم أيضًا. عَجِبـتُ لِمَـن لَـهُ قَـدٌّ وَحَـدٌّ وَيَنبـو نَبـوَةَ القَضِـمِ

الكَـهـامِ وإنني لأعجب كل العجب ممن يتمتع بقوة الشباب وعنفوانه، وإذا ما واجه أمرًا صعبًا فشل فيه

وفي مواجهته وكأنه كهل عجوز ضعيف. وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلـى المَعالـي فَـلا يَـذَرُ المَطِـيَّ بِـلا سَنـامِ

وإنِّي لأتعجب أيضًا من ذاك الذي يعرف طريق العزة والشرف والعلياء، ويترك ناقته ولا يسعى في

الوصول إلى مراتب الشرف والعزة. وَلَم أَرَ في عُيوبِ النـاسِ شَيئًـا كَنَقصِ القادِريـنَ عَلـى التَمـامِ وأن

أكثر عيب يمكن ان يتصف به الإنسان هو أن يكون قادرًا على أن يبلغ ذروة الكمال والتمام في أخلاقه

وصفاته، ولكنه لا يريد ذلك.

السابق
أفضل نظام تشغيل لاختبار الإختراق
التالي
ما هي فوائد النجوم والكواكب

اترك تعليقاً