معلومات عامة

كيفية قيام الدماغ ببناء المعني

المحتويات

كيفية قيام الدماغ ببناء المعني


أن الهدف الأساسي للجهاز العصبي بما فيه الدماغ هو تحديد وتعيين تأثيرات الأوضاع المفيدة أو

الضارة التي يتعرض لها الكائن الحي

وذلك من أجل التصرف بفاعلية عن طريق استجابات مناسبة تؤمن حماية واستمرار ونمو الكائن الحي

وكذلك من أجل تحديد وتعيين نتائجها المستقبلية المتوقعة على الكائن الحي , والتعامل معها بناء على

المعنى الذي أعطت لها.

فبناء المعنى لمثير أو وضع ما هو تحديد وتعيين قيمته أي مقدار فائدته أو ضرره للكائن في الحاضر أو

المتقبل.

وبناءً على المعنى الذي يبنى يكون تصرف أو استجابة الكائن الحي

ونتيجة المعاني تقرر الأهداف والغايات .

إن معنى مؤثر ما هو ما يمكن أن ينتجه من تأثيرات في الحاضر أو المستقبل أي إلى ماذا سيؤدي ,

لذلك هو احتمالي وهو يتضمن التنبؤ .
إن المسؤول الأساسي عن بناء المعنى في الدماغ هو قرن آمون والنتوء اللوزي وباقي الدماغ القديم-

المهاد والدماغ الحوفي بالإضافة إلى المناطق الجبهية من اللحاء.

ودور اللحاء هو تقديم المعلومات والاستشارات التي تطلب منه إن كان من قبل الدماغ القديم أو لمتابعة المعالجة الجارية
أما دور التكوين الشبكي فهو قيادة وإدارة ما يجري من عمليات بين اللحاء والدماغ القديم

والذي يقرر تلبية أو عدم تلبية متطلبات الدماغ القديم هو نتيجة الجدل أو التأثيرات المتبادلة بين اللحاء, والدماغ القديم والتكوين الشبكي .
هو توازن واستقرار هذه التأثيرات – التفاعلات- المتبادلة وإلا سوف يظل النتوء اللوزي يطلب ويرد عليه

اللحاء ولا يقبل النتوء اللوزي بهذا الرد ويطلب رداً آخر فيعطيه اللحاء رداً آخر أو نفس الرد ولا يقبل به النتوء اللوزي ويعود ويطلب رداً ……
هذه الدائرة يقودها التنظيم الشبكي ويسعى إلى الوصول إلى حل أو توازن وقبول النتوء اللوزي به أو

يطلب منه الكف والانتظار ريثما تتغير الأوضاع والظروف وبذلك يوقف ذلك الملف أو المشكلة

إما لأنه تم حلها والوصول إلى ما يرضى به النتوء اللوزي أو لكفه و إيقافه عن المطالبة

ويمكن أن يبقى الطلب موجوداً وجاري كفه جزئياً وعندها ينتج القلق أو الندم أو التردد ، أو الخوف ، أو الحقد ….. .
والنتوء اللوزي عندما يعطي معنى سيئاً لمؤثر ما , يطلب بذلك معالجة هذا المؤثر

إما بتحاشيه أو بتحويل المعنى السيئ إلى محايد أو جيد إن أمكن ذلك

وإذا كان معنى المؤثر مفيد أو ممتعاً فهو يطلب تحقيق ما يلزم للاستفادة من هذا المعنى ،

وذلك باستنفار القدرات التي تساهم وتساعد في ذلك .

والمعنى إن كان سيئاً أو جيداً يجري التعامل معه إلى أن يصبح محايداً وعندها يتوقف التعامل معه ,

فغياب المعنى لمؤثر ما يؤدي إلى إهمال التعامل مع هذا المؤثر والالتفات لغيره .

أسس آليات الاستجابات وبناء المعاني

إن المعنى لمؤثر أو وضع ما بالنسبة لنا نحن البشر يعطى في أول الأمر على شكل استجابة حسية

لذة أو ألم ,أو محايد وعندها لا يصبح له معنى .

ثم يتطور ويصبح على شكل نجاح أو فشل ثم يصبح على شكل مفيد أو ضار

وبذلك يعود إلى أصله الذي نشأ منه وهو المفيد لبقاء واستمرار ونمو الكائن كفرد وكنوع.

إن كافة استجاباتنا تكوٌن بناءً على معنى وقد تم اعتمادها بناءً على: إما بناءً على معنى فزيولوجي

موروث أو عصبي موروث وغير واع . أو بناءً على معنى عصبي شعوري أي واع وهو موروث أيضاً .

أو عصبي فكري واع غير موروث بيولوجيا إنما مكتسب .

إن الشعور بالخسارة يولد الشعور بالألم وهذا يولد استجابة الرد على ذلك

فالإنسان يشعر بالخسارة عندما يجد أنه قام بعمل أو صفقة غير مجدية أي غير موفقة ولم تحقق

هدفها , إن هذا الشعور يتشكل نتيجة عمل الدماغ كله وبشكل خاص الدماغ القديم- الدماغ ألحوفي-

والنتوء اللوزي هو مركز ومرجع التقييم والحكم على فاعلية وجدوى كافة الاستجابات التي يقوم بها

الإنسان

فأي استجابة واعية حركية , أو حسية , أو فكرية , يقوم بها الإنسان, يقيم جدواها أو فاعليتها النتوء

اللوزي , مع مساعدة ومشاركة باقي بنيات الدماغ القديم ومشاركة المناطق الجبهية من اللحاء أيضاً

ويقومها بألم أو لذة – ممتعة أو مؤلمة – ويتم ربط النجاح باللذة والفشل بألم أو المفيد باستجابة ممتعة

والضار باستجابة مؤلمة .

إن هذه الآلية هي أهم آلية في حياتنا الشعورية فهي المرجع النهائي لتقرير وتقييم كل شيء

بالنسبة لنا, إنها تقرر الخير والشر بناء على الممتع والمؤلم ,أو بناءً على المفيد والضار, أو بناءً على

الخطأ والصواب وذلك بالاعتماد على النتائج الفزيولوجية والنفسية والفكرية الحادثة , كمرجع للتقييم ,

وهذا التداخل و التأثير المتبادل – أو التغذية العكسية- بين الفزيولوجي والنفسي والفكري يعقد هذه

الآلية , ويجعل بناء المعاني متغيراً ومتطوراً حسب تغير الأوضاع

وحسب نتائج المعالجات الفكرية الجارية.

إذاً المعنى بالنسبة للكائن الحي وبالنسبة لنا يعطى على شكل دافع ,

أو لذة وألم, أو إحساس أي استجابة و يتطور ويعطى على شكل نجاح أو فشل,

ثم يتطور إلى مفيد أو ضار, وخطأ أو صواب .

وتحديد المعنى هو الذي يحدد الاستجابات , أو تعديلها, أو تغيرها, أو تأجيلها….الخ
وبذلك تصنف واردات الحواس إلى ممتعة أو مؤلمة, مفيدة أو ضارة… وتعالج بناء على ذلك وتكون هذه المعالجة واعية أو غير واعية.
وعندما تكون واعية يشارك التنظيم الشبكي وباقي بنيات ساحة الشعور , وبتدخل التنظيم الشبكي في المعالجة يدخل معه اللحاء ومخزون الذاكرة الكبير
وعندها يعطى المعنى بعد معالجة واعية واسعة وتجري الاستجابة بناء على ذلك ,

وغالباً تترافق هذه المعالجة مع معالجات أخرى غير واعية- اللا شعور- وتكون لها تأثيراتها الهامة .
أثناء المعالجات الفكرية الواعية – بالنسبة لنا نحن البشر- هناك دوماً تيارات عصبية واردة للمعالجة آتية من مستقبلات الحواس أو من اللحاء أو من الدماغ القديم أو من باقي بنيات الدماغ الأخرى.

وهناك دوماً تقييمات ومعاني تعطى لهذه الواردات بعد معالجتها
وهناك دوماً سلاسل من الاستجابات وهذا ما يمثل ذات أو نفس أو روح كل منا.
فهناك دوماً سلاسل متداخلة كل سلسلة مؤلفة من تيارات عصبية يجري معالجتها , ولا تتوقف أي سلسلة إلا عندما تحدث الحالات التالية:
1_ بعد التقييم النهائي لا ينتج معنى , أي ليس هناك داع للاستجابة
2_ بعد التقييم و إعطاء المعنى ليس هناك استجابة متاحة مناسبة يمكن القيام بها, أي توضع في

الانتظار, حتى حدوث أوضاع جديدة أو حصول خيارات جديدة تسمح بالاستجابة

3_ النجاح في تحقيق الاستجابة التي تحقق الهدف, وبالتالي توقف التيارات العصبية الواردة للمعالجة.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة فهناك دوماً الكثير من التيارات العصبية المتداخلة والمترابطة, تجعل تحقيق الأهداف والوصول إلى إلغاء المعنى أي جعل كافة الواردات حيادية ضعيف الاحتمال .
فهناك دوماً معاني تتطلب استجابات يجب تحقيقها طالما نحن في حالة يقظة
طبعاً هذا يتوقف أثناء النوم العميق- دون أحلام- وأثناء التخدير وتبقى بعض واردات الحواس والكثير من الاستجابات عاملة ولكن دون الوعي بها.

أمثلة على تشكيل المعنى لدينا:
نفرض أننا اشترينا سلعة بعد مساومة اعتبرناها جيدة وأننا حققنا صفقة رابحة جيدة وسعدنا بذلك
ونحن في طريقنا وجدنا بائعاً يبيع نفس السلعة بسعر أقل من السعر الذي اشترينا به
عندها سوف يتغير شعورنا فوراً من الغبطة إلى الكآبة و يتغير معنى ما قمنا به
إن هذا يحدث نتيجة إعادة تقييم صفقتنا قام بها عقلنا واشترك فيها اللحاء والوعي بمعالجتها وقرر في النهاية أنها خاسرة
عندها يقوم النتوء اللوزي نتيجة هذا التقييم بتوليد الشعور بالضيق والألم نتيجة المعنى الجديد الذي نتج .
مثال آخر:
نفرض أننا أضعنا مبلغاً من المال ولم نعثر عليه بعد البحث الكثير عنه
إننا سوف ننزعج ونتألم لخسارتنا المبلغ , ولكن بعد التفكير نتذكر أننا اشترينا بها ولم تفقد عندها تزول كآبتنا وربما نفرح مع أننا في الحالتين فقدنا المال , ولكن عندما نعلم أننا فقدناها في عمل أو صفقة مجدية يكون شعورنا بالرضى ولا نشعر بالألم أو الضيق, بعكس شعورنا الذي نحسه عندما نعلم أو نعتبر أننا فقدناها في عمل أو صفقة غير مجدية.
وكل منا حدث له انزعاج لفقدانه مبلغاً صغيراً ذهب سدى دون مردود مجدي ولم ينزعج لفقدان مبلغ كبير طالما أنه حقق جدوى
فالمهم التقييم النهائي للمعنى , أي جدوى أو عدم جدوى العمل أو الجهد أو المال المبذول
فهذا يقرر المعنى وبالتالي شعورنا, يمكن إيراد أمثلة كثيرة توضح ذلك.
إن تقييم العقل لنتائج استجاباتنا وما يحصل لنا – بناء المعنى- هو الذي يقرر ويحدد استجابتنا الحسية والتي في كثير من الأحيان تولد استجابات أخرى , وهكذا دواليك .
وهذا يتجاوز آلية الاشراط , فهو الذي يتحكم ويقرر نتائجها , ومتى يجب إيقافها
والعمل الهام الذي يقوم به النتوء اللوزي ويساعده فيه الحصين والدماغ القديم , وذلك بعد أن ترده المعلومات من اللحاء والتنظيم الشبكي
هو تقييم استجاباتنا شعورياً من ناحية المفيد والضار, ومتابعته لكي نحقق حاجاتنا و دوافعنا وأهدافنا, فعندما يتم الحكم على استجابة بأنها غير كافية أو غير مجدية أو لم تحقق المطلوب, عندها يطلب إعادتها أو تعديلها أو تغييرها
وتكون وسيلة التقييم والقياس هي الممتع والمؤلم الذي يقيم المفيد والضار , وكذلك الخطأ والصواب, فالخطأ هو الضار, والصواب هو المفيد.
إن هذه الآلية( وهي آلية تغذية عكسية تصحيحية كما نرى)هامة جداً
فهي تعتمد الأحاسيس الممتعة والمؤلمة, مثل الشعور بالنصر أو الإنجاز أو التفوق أو النمو والتملك….الخ
أو مثل الشعور بالخسارة أو الهزيمة أو الندم …..الخ, فهي التي تقرر سعادتنا أو ألمنا, فرحنا أو حزننا…. , وهي التي تطور وتنمي آليات تفكيرنا.
أن النتوء أللوزي عادة لا يبني وينتج استجابته إلا بعد أن يتلقى ناتج معالجة المعلومات والدلالات من اللحاء وبمشاركة التنظيم الشبكي معه في المعالجة
وحسب هذه المعالجة طريقتها ودقتها ودقة المعلومات المستخدمة تكون نتيجة الحكم والتقييم وبالتالي الاستجابة .
ولكن في بعض الحالات التي تتطلب استجابة سريعة وفورية ولا تسمح بمشاركة اللحاء والوعي في

المعالجة, مثل الخطر الشديد أو عند الانفعالات الشديدة كالغضب الشديد أو الخوف والرعب…

في هذه الحالات يتصرف النتوء اللوزي والدماغ القديم فقط , ويصدرا الاستجابة

لذلك نجد بعد أن يسمح الوقت بتدخل اللحاء وباقي أجزاء الدماغ وتعاد معالجة ما جرى بشكل أوسع

وأدق, عندها نجد أن القرارات المتخذة بسرعة غير مناسبة وتحتاج إلى تعديل أو تغيير.

وهذا نراه يحدث لكل منا , فنحن نجد أن أغلب أحكامنا وتقييماتنا المتسرعة والانفعالية غير مناسبة

وغير دقيقة وبحاجة إلى تعديل وتصحيح.

الربح والخسارة وبناء المعنى وتأثيرهم

إن الشعور بالربح والخسارة له عدة أسباب وآليات ،

ويمكن أن يتضاعف الشعور بالخسارة أو الشعور بالربح في بعض الحالات

وكذلك العكس فيمكن أن يتناقص في بعض الحالات الأخرى،

وذلك حسب ما يقوم به العقل من تقييم , ويمكننا إيراد الكثير من الأمثلة الواقعية لتوضيح ذلك .

المثال الأول :أحد الأصدقاء أعطاك جزء من منتج كنموذج ودعاية لكي تجربه وبلا ثمن ،

ولنفرض أن هذا الجزء ضاع أو فقد ولم تستخدمه
وعلم صديقك بذلك ، في هذه الحالة نجد أن الشعور بالخسارة أصاب صديقك وأصابك ،

فكلاكما شعر بالخسارة للذي فقد, مع أنه واحد ، فأنت شعرت بالخسارة مع أنك لم تدفع ثمن الذي

خسرته ، وكذلك شعر صديقك بالخسارة ,

ففي حالة معرفته أنك استفدت مما أعطاك إياه فلن يشعر بالخسارة , ولكنه يشعر بها في حالة هدر ما أعطاك إياه ، مع أنه في الحالتين لم يأخذ ثمن ما أعطاك .
المثال الثاني : قمت بمبادلة مع صديق بسلعة لست بحاجة إليها بدل سلعة لديه ليس بحاجة إليها

وأنت بأشد الحاجة إلى سلعته ، وهو بأشد الحاجة إلى سلعتك
ففي هذه الحالة أنت شعرت بالربح الكبير وهو كذلك ، وأنت وهو لم تشعرا بأي خسارة لقاء تقديم كل منكما لسلعته لأنكما لستما بحاجة إليها.
ويمكن إعطاء مثال معاكس للمثال الأول ويحدث شعور بالخسارة للاثنين بدل الشعور بالربح , وهناك عوامل وحالات كثيرة أخرى تتحكم بالشعور بالربح والخسارة .
إذاً فالشعور بالخسارة أو الربح, بالفوز أو الهزيمة, بالظلم أو بالعدل, بالمفيد أو الضار, بالخطأ أو بالصواب .
هو راجع دوماً لتقييم صفقة يقوم بها العقل القديم والحديث
ألأول يهتم بالممتع والمؤلم , والثاني يهتم بشكل أوسع بالمفيد والضار والخطأ والصواب والخير والشر بالإضافة إلى الممتع والمؤلم .
ومن هذا المنظور نجد أن كافة التقييمات والأحكام الأخلاقية وغيرها تابعة للعقل –

خصائصه وقدراته وذاكرته و معلوماته – والمعالجات التي يقوم بها .
سلاسل الأهداف, وسلاسل المعنى
إن وضع العقل لأهدافه يحدد القوى المحركة –

كماً واتجاها – التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف
فكل هدف أو رغبة أو دافع يتبناه العقل يحدث تأثيرات في عمل العقل – تغذية عكسية- ,
وهناك دوماً سلسلة مترابطة من الأهداف نتيجة لاعتماد العقل لآلية السببية.
ولطول وقوة ترابط هذه السلاسل تأثير أساسي على مسارات وطبيعة التفكير, وبالتالي تأثيرها على تحقيق الدوافع والأهداف
ودوماً ترافق سلسلة الأهداف سلسلة المعنى لهذه الأهداف .
ولكل إنسان منهجه وطريقته لبناء سلاسل المعنى وسلاسل الأهداف الخاصة به
وغالباً ما تكون هذه السلاسل قصيرة بضع حلقات أساسية تتضمن كل منها تفريعات لحلقات جزئية ,

مثلاً
العمل لجمع المال لتحقيق الدوافع والرغبات,

أو الدراسة لتأمين عمل أو وظيفة ذات مردود مالي جيد أو مركز ومكانة جيدة.
وكلما ازدادت معارف ومعلومات واطلاعات الإنسان توسعت وتفرعت سلاسل أهدافه وشملت مناحي أكثر, وكذلك توسعت معها سلاسل المعنى, وبالتالي تشابكت وتعقدت أيضاً.
لذلك كان التخطيط والتنظيم لسلاسل الأهداف سواء كانت لفرد أو لجماعة أو شركة أو مؤسسة أو وزارة أودولة هاماً جداً .
ونحن نشاهد التكرار والتقليد منتشر بشكل واسع في استعمال الطرق والخطط والآليات للتعامل مع سلاسل الأهداف, بالإضافة إلى تقليد ومحاكاة سلاسل أهداف وسلاسل معنى الآخرين.
وإذاأخذنا لعبة الشطرنج كمثال على سلاسل الأهداف فإننا نجد أن تحديد خيارات النقلات الأولية يتبعه تحديد خيارات النقلات التالية, ونحن نلاحظ التنوع الكبير لهذه السلاسل وتداخلها , وإذا نظرنا إلى هذه السلاسل فإننا نجد أنها يمكن أن تتفرع بشكل واسع أو تزداد طولاً وهذا ما يجعل التعامل معها صعباً , وهذا ما يحصل للعقل أيضاً فهو لا يستطيع التعامل مع سلاسل طويلة أولا متناهية , وهذا ما يظهر بوضوح في تفكير أغلب الناس فهم يتبنون سلاسل قصيرة ومحدودة لأهدافهم.
وبناء سلاسل أهداف مترابطة و طويلة صعب ولا تمارسه إلا عقول قليلة , ومثال على هذا الفلاسفة العظام أرسطو, ليبنتز, كانت…….
فالسير خطوات أكثر في سلاسل الأهداف وسلاسل المعنى هو ما يميز العقول الكبيرة المبدعة, فهم يبحثون ويعالجون سلاسل أطول ماذا بعد ذلك .. ثم أيضاً ماذا بعد ذلك ؟ ثم ماذا أيضاً…
صحيح أنه لا بد من توقف ونهاية لسلسلة الأهداف وسلسلة المعنى, وليس ضرورياً أن تكون هذه السلسلة طويلة بالنسبة للفرد
ولكن طول السلسلة ضروري في حالة الجماعة وفي حالة البنيات الاجتماعية الكبيرة مثل الشركات, الوزارات الجيوش, الدول…
وبالنسبة للفرد المهم من سلاسل الأهداف والمعنى بالدرجة الأولى هو الممتع المفيد له
أما بالنسبة للجماعات والبنيات الاجتماعية فالمهم أولاً المفيد والذي يساعد على البقاء والنمو والتطور والتقدم .

تأثير المعنى الهام
المعنى أو الدلالة هما القوة المحركة للعقل أثناء التفكير ومعالجة واردات الحواس وباقي الواردات الأخرى من اللحاء , والمعنى لواردات الحواس يبنى أو يشكل بمشاركة الذاكرة
والذي يجعل التيارات العصبية تتابع سريانها هو وجود معنى لها فهذا يعطيها القوة المحركة, فوجود المعنى هو الذي يشكل الاستجابات ويساهم في استمرار جريان التيارات العصبية وربط الإشراطات ومتابعة المعالجة الفكرية .
ولكي يتضح لنا تأثير المعنى في عمل العقل نقارنه بالكومبيوتر أثناء معالجته للمدخلات, إن بقاء واستمرار المعالجة مرتبط بمضمون الذاكرة المتعلقة بهذه المدخلات
فالذاكرة هنا بمثابة المنشئ للمعنى وهي التي تشكل القوة أو الدافع لاستمرار المعالجة ولا تتوقف المعالجة إلا بعد تنفيذ مضمون الذاكرة الموجودة – البرنامج الموجود في الذاكرة- وكذلك تنفيذ مضمون آليات النظم- نظام التشغيل- المستخدمة, وكذلك العقل يشبه الكومبيوتر في عمله.

بناء الذاكرة الدلالية
إن الذاكرة تساهم في إنشاء المعنى , وبالتالي للمعنى و الأحاسيس والانفعالات تأثير قوي على بناء

الذاكرة, ويمكن أن تبنى ذاكرة قوية لحادثة من مرة واحدة – دون التكرار اللازم لبناء الذاكرة- وذلك نتيجة

المعنى الهام لها

فالإنسان يتعلم ويتذكر الحالات والأوضاع المؤلمة أو السارة أو ذات المعنى القوي بسهولة,

لأنها مسجلة بشكل جيد.

إن الذي يساهم في جعل الدماغ يبني ذاكرة في اللحاء من تجربة واحدة – مع أنه يلزم لبناء ذاكرة تكرار

مرور تيارات عصبية في محاور ومشابك معينة وبشكل متواقت يؤدي إلى نمو أو تطور هذه المحاور

والمشابك حسب جريان هذه التيارات وخصائصها –

هو النتوء اللوزي ويشاركه في ذلك قرن آمون وبنيات دماغية أخرى

فالنتوء اللوزي وقرن آمون هما الذي يجهزان ويحضران القدرات أللازمة لتكرار و إعادة جريان التيارات

العصبية- ذات المعنى الهام –
ونحن نلاحظ أن هذه الآلية تتعامل مع المعنى بشكل أساسي , وهذه الطريقة في بناء الذاكرة تختلف

عن طريقة التعلم الحركية أوالعضلية,الواعية أوغير الواعية – وهذه مسؤول عنها المخيخ- ,

وكذلك تختلف عن الذاكرة العادية فهذه لا تبنى إلا بالتكرار.
وللنتوء اللوزي دور هام في بناء الذاكرة الفكرية الراقية والتي هي دوماً واعية ومحملة بالمعاني

المعقدة – الثقافة اللغوية, والاجتماعية المتطورة- , ويصعب بناء هذا النوع من الذاكرة دون عمل النتوء

اللوزي.

السابق
دراسة علمية  عن توازن الطفل يكمن في تلبية احتياجاته النفسية
التالي
طريقة تدريس الدماغ وسيكولوجية الادراك والتفكير

اترك تعليقاً