نبذة حول تطبيق القانون من حيث الاشخاص
نبذة حول تطبيق القانون من حيث الاشخاص, ومن الأمثلة على ذلك نذكر ما يلي:
إذا نصت مادة من مواد قانون العمل بأن :
( للعامل المريض بإحدى الأمراض المزمنة إجازة عرضية بأجر كامل إلى أن يشفى أو تستقر حالته ) .
نلاحظ أن هذه المادة لم تبين ما هي الأمراض المزمنـة وبالتالي فهو غير صالح للتطبيق فورا ،
وإنما يجب تفصيل وتحديد هذه العبارة : ( الأمراض المزمنة ) ،
لذلك قضت الفقرة الثانية من نفس المادة بان :
( يصدر لتحديد الأمراض المزمنة المشار إليها أعلاه قرار من وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالاتفاق
مع وزير الصحة والسكان ) . وقبل صدور هذا القرار لا يمكن تطبيق حكم القاعدة القانونية ،
وإنما تصلح للتطبيق بعد صدور القرار المشترك ( بصفة فعلية ) بين الوزارتين المشار إليهما أعلاه . مبدأ امتناع عن الاعتذار بجهل القانون
من المبادئ الأساسية في فقه القانون الوضعي ( مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون ) .
ومؤدى هذا المبدأ أنه لا يقبل من أي شخص أيا كان الاحتجاج لجهله بحكم القاعدة القانونية ،
وذلك ليتهرب ويفلت من سريانها في حقه . فحكم القاعدة القانونية يسري في حق الأشخاص المخاطبين بأحكامها وذلك لمن علم بها ، ولمن جهلها على حد السواء . ويذهب جانب من فقهاء القانون إلى تأسيس هذا المبدأ على وجود قرينة على علم الأشخاص بأحكام القانون .
ويشكك البعض الآخر منهم في وجود صحة هذه القرينة فهي تقوم على حمل الأمر المشكوك فيه محمل الغالب والمألوف في العمل بشأنه . وليس الغالب في العمل ولا المألوف فيه هو : علم الأشخاص بالقواعد القانونية بل الغالب هو جهلهم بها .
ولهذا لا يمكن اعتبار مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون قرينة على العلم بها. بينما يذهب الإتجاه الغالب إلى تأسيس هذا المبدأ على ( فكرة المساواة وقواعد العدل ) . فالعدل الخاص يتطلب المساواة التامة في معاملة الأشخاص المخاطبين بأحكام القاعدة القانونية فلا يفرق بينهم في وجوب الخضوع لها ، أو يعفي بعضهم من التقيد بها . وهذه المساواة أمام القانون تحقق ذلك العدل العام والصالح العام بما تؤكده من سيادة النظام والقانون في المجتمع .
ماذا يترتب عن إباحة الاعتذار بجهل القانون
لو أبيح الاعتذار بجهل القانون للإفلات من أحكامه ، لما أتيح حينئذ تطبيق القانون إلا في القليل النادر حيث يعلم الناس بأحكامه ، ويترتب عن ذلك : – سيادة الفوضى .
– ضياع الأمن والإستقرار في المجتمع .
– نفي صفة الإلزام عن القاعـدة القانونية ، إذ يجعل مناط إلزامها هو توافر العلم بها . بينما القاعدة القانونية تتميز قبل كل شيئ بما لها من إلزام ذاتي منبعث منها ومن وجودها هي ، لا من عامل خارجي عنها كالعلم بها . متى يمكـن الاحتجاج أو الاعتراض عن جهل القانون
لقد لجأ فقهاء القانون إلى الاعتراف بإمكانية الاحتجاج بجهل القانون في حالة قيام قوة قاهرة . كالفيضانات ، أو الاحتلال، أو الحروب . لأن بعض المناطق في الدولة تعزل عزلا تاما يستحيل معه وصول الجريدة الرسمية إليها ، كاستثناء على مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون .
وفي الواقع أننا لا نأخذ في فهم مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون بالعلم الفعلي ولا بالعلم الإفتراضي وإنما بإمكانية العلم بأحكام القانون . ويمكن تحديد المقصود بإمكانية العلم بأحكام القانون ، إذا رجعنا إلى فقه الشريعة الإسلامية ، ولبيان ذلك فإن علماء أصول الفقه الإسلامي يذهبون إلى أنه : (( ليس المراد بالعلم بالأحكام ، العلم الفعلي ، وإنما المراد بالعلم التمكن منه والوصول إلى معرفته . فمن كان في دار الإسلام يتمكن من العلم بالأحكام الشرعية بنفسه ، أو بسؤال أهل العلم عنها ، فهو مكلف بها ، إذ لا عذر للمقيم في دار الإسلام بسبب جهله بالأحكام الشرعية )) .
قال الله تعالى : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وإنما لا يشترط علم المكلف به فعلا خوفا من اتساع المجال للاعتذار بجهل الأحكام الشرعية ، فمتى كان الإنسان عاقلا ،وكان مقيما في دار الإسلام كان قادرا على أن يعرف الأحكام الشرعية بسؤال أهل الذكر عنها .
وبذلك يعتبر عالما كلف به ، وتنفذ عليه الأحكام ولا يقبل منه الإعتذار بالجهل . ونستنتج مما تقدم أنه يجب النظر إلى العلم بالقانون كتكليف مسبق يقع على الكافة ، وقبل تطبيق الأحكام التكليفية عليهم . فهناك واجب أو التزام مبدئي يقع على الكافة بوجوب التعرف على أحكام القانون ، ومن السهل إجراء هذا التعرف سواء :
– عن طريق الشخص المكلف نفسه .
– أو عن طريق سؤال غيره .
وبناء على ذلك فإذا كان الشخص المكلف بأحكام القانون يرجع إلى تقصيره في أداء هذا الواجب ( واجب العلم والإستفسار ). فإن حكم القاعدة القانونية ينطبق عليه برغم جهله بمضمون الحكم ، ما دام عدم العلم يعد نتيجة للتخلف عن أداء الواجب السابق ذكره . أما إذا استحال على الشخص المخاطب بالقاعدة القانونية العلم بمضمونها ، فلا يجوز تطبيق حكمها عليه. غير أن معنى الإستحالة يتسع في الشريعة الإسلامية ليشمل المشقة الزائدة . بينما يتجه القانون الوضعي إلى حصر معناها على القوة القاهرة ، باعتبارها القوة التي لا يستطيع الإنسان العادي أن يتخطاها .
وفي هذه الحالة يمكن الإعتراف بإمكانية الإحتجاج أو الإعتراض عن جهل القانون ، إذا استحال على الشخص المخاطب بالقاعدة القانونية العلم بمضمونها وذلك تحقيقا لمفهوم الإستقرار القانوني.