مواضيع متنوعة

ماهو العلم المذهل وراء الثقوب السوداء والجاذبية وجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2020

المحتويات

ماهو العلم المذهل وراء الثقوب السوداء والجاذبية وجائزة نوبل في الفيزياء لعام 2020

في أبريل 2017 أشارت جميع مصفوفات التلسكوبات/التلسكوبات الثمانية المرتبطة بتلسكوب أفق

الحدث (Event Horizon) إلى مجرة ميزر 87 (Messier 87). هذا ما يبدو عليه الثقب الأسود الهائل

حيث يكون أفق الحدث مرئيًا بوضوح. فقط من خلال قياس تداخل القاعدة الممتدة VLBI يمكننا تحقيق

الدقة اللازمة لالتقاط صورة كهذه، ولكن توجد إمكانية لتحسينها يومًا ما بمئات المعاملات. يتوافق الظل

مع دوران الثقب الأسود. في 6 أكتوبر 2020، مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لبحثٍ في الثقوب السوداء.

مُنحت نصف الجائزة إلى روجر بنروز (Roger Penrose) لعمله النظري لتوضيح كيف يمكن للثقوب

السوداء أن تتشكل ماديًا وواقعيًا في كوننا، بينما مُنح النصف الآخر بشكل مشترك إلى أندريا جيز

(Andrea Ghez) ورينهارد جينزل (Reinhard Genzel) لاكتشاف ساجيتارس أ∗

(الرامي أ∗ Sagittarius A): المقبول عمومًا كَونَه ثقبًا أسودًا فائقَ الكتلة في مركز مجرتنا درب التبانة.

هؤلاء الحاصلون على الجوائز الثلاثة يستحقون تمامًا العمل البحثي المذهل الذي قاموا به،

ويمثلون أول جائزة نوبل على الإطلاق لما يعتبره العديد من العلماء بحثًا بحتًا عن الجاذبية. لم يفز ألبرت

أينشتاين أبدًا بجائزة نوبل للنسبية العامة، وكان يعتقد هو نفسه أن الثقوب السوداء كانت إبداعات

رياضية بحتة وليست أشياء مادية حقيقية. كان عمل بنروز النظري حاسمًا ليس فقط في توفير مسار

صارم لتكوينها، ولكن أيضًا في إحداث ثورة في طريقة تفكير الفيزيائيين حول هذه الزمكانات. وبالمثل

قامت جيز وجينزل بقَلْبِ مجال علم الفلك الرصدي – لا سيما الأجرام القريبة من مركز المجرة – ما مكننا

من معرفة المزيد عن الثقوب السوداء أكثر من أي وقت مضى. إليكم العلم وراء جائزة نوبل في الفيزياء

لعام 2020: الثقوب السوداء.

عندما طرح أينشتاين النسبية العامة لأول مرة في عام 1915، كان ذلك بمثابة انتصار واختبار للعلم:

هل يمكن لهذه الفكرة الجديدة حقًا أن تحل محل نظرية نيوتن في الجاذبية؟ ألغى هذا المفهوم الثوري

أفكارًا مثل: – كون الجاذبية قوة لحظية، واستبدلها بفكرة أنها تنتشر بسرعة الضوء. – أن المكان والزمان

كانا كميات مطلقة وثابتة وغير متغيرة، واستبدلهما بنسيج زمكان موحد. – أن أقصر مسافة بين نقطتين

كانت عبارة عن خط مستقيم، وبدلًا من ذلك استبدله بفكرة الجيوديسيا (geodesics) (خطوط العالم)

والمسارات الفضائية والشبيهة الزمن والخالية (الشبيهة بالضوء)، بالإضافة لذلك، اكتشف أينشتاين

علاقة جديدة بين المادة والطاقة من ناحية، ونسيج الزمكان من ناحية أخرى. وبعد بضعة أشهر فقط

من تقديم نظريته، عُثر على أول حلٍ دقيق وغير بديهي لثقب أسود غير دوار.

كان حل كارل شوارزشيلد (Karl Schwarzschild) الذي طرحه عام 1916 أول صياغةٍ رياضية لوصف أفق الحدث في النسبية العامة، لكن أينشتاين لم يعتقد أن هذه الأشياء يمكن أن توجد ماديًا، ولفترة طويلة، لم تتقدم الأبحاث في هذا المجال كثيرًا؛ إذ اهتم القليل من الباحثين بهذا الجانب من الفيزياء. مع ذلك، في أوائل الستينيات – بعد فترة وجيزة من وفاة أينشتاين – عاد عدد من جوانب النسبية العامة إلى الواجهة؛ إذ بدأ الباحثون الشباب في ذلك الوقت بدافع من العمل الأصلي لعلماء مثل بوب ديك (Bob Dicke) وجون ويلر (John Wheeler) بتفحص بعض جوانب النسبية العامة المفهومة بدرجة قليلة. في حين أن البعض – مثل كيب ثورن (Kip Thorne) الحائز على جائزة نوبل 2017 – عمل في علم الموجات الثقالية، أو – مثل جيم بيبلز (Jim Peebles) الحائز على جائزة نوبل 2019 – عمل في علم الكونيات، فقد ركز آخرون على أنظمة الجاذبية الأكثر تطرفًا على الإطلاق وهي الثقوب السوداء. كان أحد الاكتشافات النظرية المهمة المبكرة هو أنك إذا بدأت بنظامٍ من الكتل وسمحت لها بالانهيار الجاذبي، وطالما لم يكن هناك ما يقاوم هذا الانهيار (مثل الإشعاع أو ضغط الانحلال)، فإنك ستشكل حتمًا ثقبًا أسودًا.

كانت «نظريات المفردة» – كما هي معروفة اليوم – من أوائل الأعمال التي اشتهر بها كل من روجر بنروز وستيفن هوكينغ المتوفى مؤخرًا. لكن بنروز نفسه – بمفرده – فعل شيئًا أكثر عمقًا؛ إذ وصف بطريقة صارمة ولأول مرة كيف يمكن لنظام مادةٍ فيزيائي لم يكن ثقبًا أسودًا أن ينهار إلى واحد حيث تتشكل مفردة وأفق حدث حوله. وعلى وجه الخصوص، قام أيضًا بوضع تصور لمسارات الضوء التي ستظهر من كل نقطة معنية في جميع أنحاء الفضاء في جميع الأوقات. ما الذي سيبتلعه الثقب الأسود؟ أين حدود بين ما يمكن أو لا يمكن الهروب منه؟ وكيف يتصرف الزمكان نفسه داخل أفق الحدث وخارجه وعلى حدوده؟ لم يكتف بنروز بطرح هذه الأسئلة والإجابة عليها في بحثه التاريخي عام 1965، ولكنه توصل إلى طريقة لتصَوُّر الزمكان بأكمله في تمثيل بسيط ثنائي الأبعاد: مخططات بنروز. عمليًا كل فيزيائي تحت سن الستين تعلم النسبية العامة كان – إلى حد ما- مستفيدًا من التألق النظري الهائل والحِمل الثقيل الذي قام به بنروز خلال هذه الحقبة.

بالطبع هناك أيضًا عمل رصدي استثنائي يتوافق مع الإبداعات النظرية المتعلقة بالثقوب السوداء. في الستينات، تم اكتشاف الكوازارات الأولى: المصادر الراديوية شبه النجمية (QSRS)، والتي سرعان ما تبين أنها تبعث الأشعة السينية أيضًا. وبينما احتدمت النقاشات لسنوات حول ماهية هذه الأجرام، كانت متسقة تمامًا مع كونها ثقوبًا سوداء هائلة فائقة في مراكز المجرات. أصبح الحلم هو قياسها مباشرة، وتحديد خصائصها بالضبط. كشفت انبعاثات الأشعة السينية عن أنظمة ثنائية للثقوب السوداء – حيث توفر النجوم التي تدور حول الثقوب السوداء مادة متراكمة للثقوب السوداء لتسريعها وتسخينها؛ ما يتسبب في انبعاث الأشعة السينية – بينما كشفت موجات الراديو أن النجوم النابضة (pulsars) تتراقص معًا، ما يتيح اختبارات الانحلال المداري للنسبية العامة. لكن ظلت الثقوب السوداء فائقة الكتلة مراوغة، ولم يكشف عنها سوى انبعاثات الراديو غير مباشرة والأشعة السينية
هذا هو المكان الذي برز فيه العمل الرائع لعلماء مثل أندريا جيز ورينهارد جينزل. باستخدام عمليات رصد ذات طول موجي أطول مما يمكن للعين البشرية رؤيتها، ومن خلال دمج تلك البيانات مع تقنيات تصحيح تشويش الغلاف الجوي – مثل قياس التداخل بالبقيعات (speckle interferometry) والبصريات المتكيفة (adaptive optics) – تمكنا من قياس مواضع النجوم الموجودة على بعد آلاف السنين الضوئية بدقة عالية. الأمر الأكثر لفتًا للنظر هو أنه يمكننا القيام بذلك لمركز المجرة: منطقة من الفضاء تحجبها مادة غير منفذة للضوء على طول خط الرؤية. إذا نظرت إلى مجرة درب التبانة في ليلة صافية في بيئة مظلمة، فلن ترى فقط التوهج الأبيض لمليارات النجوم، ولكن أيضًا هذه الغيوم المظلمة: أشرطة مجرة درب التبانة الغبارية. هذه الغيوم فعالة للغاية في حجب الضوء المرئي، لكن حبيبات الغبار الصغيرة تواجه صعوبة أكبر في حجب الضوء ذي الطول الموجي الأطول. عند التركيز على نطاقات الأشعة تحت الحمراء والراديو، يمكننا رؤية الضوء القادم من النجوم التي تدور على بعد 26000 سنة ضوئية حول مركز المجرة

كان جينزل شخصية محورية في تصميم وبناء البصريات المتكيفة للمرصد الأوروبي الجنوبي،

بينما كانت جيز على الأرجح الشخصية الأكثر تأثيرًا في هذا المجال باستخدام مرصدي كيك في هاواي.

بدأ كلا العالِميْن في رصد وتتبع النجوم الفردية التي تدور حول مركز المجرة في التسعينات،

ولم يتحسن عدد النجوم المرصودة والتفاصيل المدارية والمسارات النجمية إلا على مدار العشرين عامًا الماضية. تكشف هذه المدارات أن النجوم كلها تدور حول نقطة واحدة، كما لو أن جرمًا ضخمًا للغاية كان يسيطر على مجال الجاذبية في هذه المنطقة من الفضاء، على غرار الطريقة التي تهيمن بها شمسنا جاذبيًا على مدارات الكواكب في نظامنا الشمسي. مع ذلك، لا تبعث هذه النقطة، التي لم تُحدد جيدًا من الناحية النظرية وتتوافق مع مصدر أكبر تدفق لأشعة إكس في مجرتنا، أي ضوء مرئي أو أشعة تحت حمراء على الإطلاق. إنها مظلمة تمامًا باستثناء التوهجات، وتبلغ كتلتها ملايين الكتل الشمسية.

كشف مشروع تتبع وقياس المعملات المدارية لهذه النجوم عن عدد من الخصائص المهمة لمركز مجرتنا. وعلى وجه الخصوص لقد تعلمنا ما يلي: – تشير جميع المدارات النجمية إلى كتلة تبلغ نحو 4 ملايين كتلة شمسية للثقب الأسود الموجود في مركز المجرة، وهي قيمة أكبر بنسبة 50% من الكتل التي يُستدل عليها من انبعاثات الأشعة السينية (المعتمدة على النموذج). – تقدم النجوم التي تقترب كثيرًا من أفق الحدث أفضل الاختبارات لكل من النسبية الخاصة والعامة؛ حيث تصل سرعاتها إلى نسبة مئوية قليلة من سرعة الضوء. تتوافق البيانات مع نظرية أينشتاين وتخالف نظرية نيوتن، وتقيد بشكل كبير بدائل النسبية العامة. – رُصدت العديد من التأثيرات النسبية البحتة، بما في ذلك الانزياح الأحمر الجذبوي وتمدد الزمن الثقالي في البيانات الخاصة بهذه النجوم. قبل بضعة أشهر فقط، اكتُشفت مجموعة جديدة من النجوم تتحرك بشكل أسرع وأقرب من الثقب الأسود في مركز مجرتنا، ما وفَّر مختبرًا فيزيائيًا فلكيًا جديدًا لاختبار النسبية العامة تحت ظروف متطرفة للغاية.
على الرغم أن بينروز وجيز وجينزل يستحقون جميعًا جائزة نوبل، فإن الحد الأقصى لعدد الأشخاص

المفروض على الحائزين على جائزة نوبل (ثلاثة أشخاص) يعني التغاضي عن العديد من المساهمين

الجديرين في معرفتنا عن الثقوب السوداء عند منح هذه الجائزة. إليكم بعض الأشخاص الجديرين

بالمعرفة: – روي كير (Roy Kerr)، الذي اشتق في ورقته البحثية عام 1963 الحل الدقيق للثقب

الأسود المتمتع بكتلةٍ وزخمًا زاويًا: أي ثقب أسود دوار (أكثر واقعية). – أندرياس إيكارت

(Andreas Eckart)، عالِم نشط يمكن القول إن أهمية عمله في علم النجوم التي تدور حول مركز المجرة لا يقل عن أهمية عمل جينزل أو جيز. – كل شخص مرتبط بتلسكوب أفق الحدث الذي صَوَّر أفق حدث ثقبٍ أسود مباشرةً لأول مرة (في مركز مجرة M87) المسؤول عن الصورة الشهيرة التي صدرت العام الماضي. – وستيفن هوكينج الذي ينافس عمله على المتفردات والثقوب السوداء في النسبية العامة عمل بنروز في أهميته، لكن لا يمكن منحه جائزة نوبل بعد الآن؛ إذ لا تُمنح الجائزة للمتوفين.

على الرغم من استحقاق الحائزين على جائزة نوبل هذا العام لجائزتهم، فقد وضع العديد من العلماء

غير المعروفين الأساسَ لهذه الاكتشافات، وشاركوا في القيام بأغلبية العمل الشاق الذي سيحظى

نتيجته عدد قليل فقط من الناس على التقدير والأوسمة، وهم يعملون على توسيع ومواصلة العمل

التأسيسي الذي وضعه مجموعة الفائزين لهذا العام. بالإضافة إلى ذلك، أنتنج بنروز غالبية أعماله

الأكثر تأثيرًا في الستينات والسبعينات، لكن عمله من الثمانينات وما بعدها أكثر إثارة للجدل والتخمين

على الرغم من أنه لا يقل إبداعًا عن بحثه التاريخي الحائز على جائزة نوبل. لكن الحقيقة الأكثر روعةً

هي: يمكننا «وزن» أي جرم في الكون بشكل فعال بما في ذلك الأجرام المظلمة تمامًا أو حتى غير

المرئية، فقط عن طريق قياس الضوء من الأجرام التي تدور حولها بمرور الوقت. عندما نقيس الضوء

بدقة كافية، يمكننا استنتاج الحركات ثلاثية الأبعاد الكاملة لهذه الأجرام، لنكشف عن كتلة الجاذبية التي

تقيدها، ونختبر قانون الجاذبية في نفس الوقت. أما الآن في عام 2020، دعونا ننضم إلى العالَم في

الاحتفال بالثقوب السوداء وثلاثة من العلماء – بنروز وجيز وجينزيل – الذين ساعدوا في الكشف عن

الحقيقة العلمية وراء هذه الأجرام الكونية!

السابق
ماهى ميكانيكا الكم.. العلماء يتفحصون أحد ألغاز ميكانيكا الكم
التالي
التواصل الاقناعي وعناصره المؤثرة

اترك تعليقاً